المعهد الملكي يحتضن ندوة دولية حول التنوع الثقافي واللغوي

شكل موضوع ' التنوع الثقافي واللغوي' محور ندوة دولية نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  بمقره، يوم 21 ماي 2012، بشراكة مع اللجنة الوطنية المغربية للتربية والعلوم والثقافة ومركز اليونسكو لكاطالونيا. وشملت وقائع هذه التظاهرة، في جلستها الافتتاحية، كلمة كل من الأستاذ أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والسيدة ثريا ماجدولين، الأمينة العامة للجنة الوطنية المغربية لليونسكو، والسيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، ألقاها نيابة عنها السيد محمد ولد خطار متخصص في برنامج الثقافة بمكتب اليونسكو بالرباط. شملت الندوة مداخلات في جلسات علمية تركزت حول ظاهرة التنوع الثقافي واللغوي وكيفية تدبيره.

 

 

أكد السيد أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،  في كلمته الافتتاحية أن  التنوع الثقافي يعد ظاهرة كونية عرفتها  جميع المجتمعات والبلدان، وهي كذلك سيرورة تاريخية، على اعتبار أن اللغات والثقافات تختلف حسب المجموعات البشرية، وأن هذا التنوع يشكل حافزا للشعوب لتنفتح على بعضها البعض. كما ذكّر بما أتت به معاهدة اليونسكو لسنة 2005 ودورها في حماية التنوع  الثقافي وتعزيز تنوع أشكال تعبيراته و تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلاً إيجابيا تثري من خلاله بعضها بعضاً. واعتبر أن الهدف من هذه الندوة هو تخليد ذكرى معاهدة 2005، وتفعيل المبادئ الواردة فيها، وكذا تحسيس المواطن المغربي والنخبة المثقفة بأهمية ظاهرة التنوع الثقافي واللغوي. كما دعا إلى الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي. وخلص إلى أنّ المغرب يعد حاليا نموذجا مرجعيا بارزا في تدبير التنوع على الصعيد الإفريقي والشرق أوسطي، باعتماده سياسة منفتحة على كل مكوناته الثقافية.

وفي معرض كلمتها، قالت الأمينة العامة للجنة الوطنية المغربية لليونسكو السيدة ثريا ماجدولين، إن المغرب يتميز بتنوع ثقافي زاخر ساهم في إثراء هويته في تعددها وتميزها. وأوضحت أن احترام هذا التنوع والتعدد الهوياتي والمحافظة عليه، يساهم في ضمان الاستقرار الاجتماعي. وهذا ما يستدعي سياسيا سلوك الديمقراطية منهجا لتكريس هذا التنوع والحفاظ على التعدد في ظل قيم التسامح والحرية والعدالة.

 

 

كما أشارت إلى أن الحقوق اللغوية والثقافية تعد من الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من خلال التنصيص على أن ' لكل شخص الحق في التعبير عن نفسه وإبداع أعماله ونشرها باللغة التي يختارها، وخاصة بلغته الأصلية'. واعتبرت أن اللغة آلية من آليات تطوير الثقافة المحلية، حيث تكتسي أهمية بالغة في تحصين الهوية الثقافية. وذكّرت بالتحولات الإيجابية التي عرفها المغرب بعد ما  نص الدستور الجديد على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، والذي سيهتم بحماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، إضافة إلى العناية بالتراث والإبداع.

 

 

وأكدت على أن الجاذبية التي يتميز بها المغرب، تنبع من غنى وتنوع مكوناته الثقافية، مشيرة إلى أن المملكة٬ باعتمادها الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية٬ دخلت مرحلة جديدة في تكريس أسس التنوع الثقافي ونوهت بعمل المعهد من خلال إنجازه ترْجمة التقرير العالمي لليونسكو ' الاستثمار في التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات'، إلى اللغة الأمازيغية.

وجاء في الرسالة التي وجهتها المديرة العامة لليونسكو، السيدة إيرينا بوكوفا بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، الذي يصادف يوم 21 ماي، والتي تلاها نيابة عنها السيد محمد ولد خطار: ' أن الثقافة تمثل ما نمثله نحن البشر، فهي تحمل هوياتنا وأحلامنا بالمستقبل. وأن حمايتها وتعزيزها، والنهوض بها يتيح الشعور بالتنوع الذي يعد مصدرا لتجديد الأفكار والمجتمعات، وينطوي على مؤهلات كبيرة للنمو والحوار والمشاركة الاجتماعية' كما أن الثقافات تتغذى بعضها من بعض وتسهم في منح البشرية مزيدا من الثراء. كما يمثل التنوع الثقافي مصدرين متجددين الأفكار والمجتمعات. واعتبرت الثقافة والإبداع مصدرين متجددين بامتياز٬ داعية البلدان المتطلعة إلى النمو والتنمية المستدامة. إلى الاعتراف بالدور الذي يضطلع به التنوع الثقافي في هذا المجال وإدراجه في السياسات العمومية.

 

 

 

ومن جهته قدم السيد فريديريك سامبسون (Frederic Sampson) تقرير اليونسكو حول التعدد الثقافي، حيث أكد على الحاجة الماسة إلى الاستثمار في التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات. كما أن 'مراعاة التنوع الثقافي في مختلف جوانب السياسات العامة٬ بما في ذلك الجوانب التي قد تعتبر بعيدة تماما عن السياسات الثقافية بمعناها الضيق٬ يمكن أن تساعد على تجديد المناهج التي يتبعها المجتمع الدولي إزاء هدفين رئيسيين يتمثلان في التنمية وبناء السلام ومنع النزاعات'. وأوضح السيد سامبسون أنه بالنسبة لمركز اليونيسكو في كاطالونيا، المنظمة غير الحكومية، فإنه يطمح من خلال علاقته التشاركية مع اللجنة الوطنية لليونسكو إلى حماية اللغة والثقافة  الكاطالونية  خدمة للمصالح المشتركة لضفتي المتوسط. كما دعا  إلى احترام الثقافة واللغة الكاطالونية وجميع الأقليات الثقافية التي تعيش في كاطالونيا، التي استقبلت العديد من الثقافات والتي تتميز بتنوعها الثقافي واللغوي والديني، خاصة منذ الثمانينات.  كما أن اليونسكو دأبت خلال السنوات الماضية على منح جائزة دولية حول تدبير التعدد اللغوي. وقد مُنحت هذه السنة للخبير الملحق بوزارة الشؤون الخارجية الكولومبية، الدولة التي استطاعت إحياء الكثير من اللغات الأصلية في أمريكا الجنوبية، وساعدت على وضع سياسات لغوية تهدف إلى ضمان تسيير التنوع اللغوي الذي سمح للغات والثقافات وكذلك للغات الأصلية بايجاد موطئ قدم في عهد العولمة. ويقترح التقرير وضع استراتيجيات جديدة تسهّل الحوار بين الثقافات، وتحسّن جودة مضامين التعليم، وتكافح الأفكار الجامدة في وسائل الإعلام، وتيسِّر تبادل المنتجات الفنية، وتنقل الفنانين.

 

 

ومن بين التوصيات التي صاغها التقرير بشأن طريقة الاستثمار في مجال التنوع الثقافي، 'إنشاء مرصد عالمي للتنوع الثقافي، تكون مهمته تتبع آثار العولمة'، بوضع استراتيجية على المستويات الوطنية لتتبع السياسات العامة في جوانبها التي تمس التنوع الثقافي، وتطبيق سياسات لغوية وطنية ترمي إلى صون التنوع اللغوي وتشجيع التعدد الثقافي .

 

 

وقد توزعت أشغال هذا اللقاء على جلستين، الأولى  ناقش فيها كل من السيدين: مصطفى القباج ومصطفى جلوق محاور تقرير اليونسكو، حيث تناولا مفهوم التنوع الثقافي الذي عرف نوعا من التدرج من التوحد المجتمعي إلى تعدد الحضارات. وأنه مع مجيء العولمة بدأ النقاش حول تأثيرات هذا التنوع الذي أصبح مفهوما تبنته منظمات دولية وخصوصا اليونسكو بهدف تدبير هذا التنوع  في إطار استقراء أسس السلام في العالم. موضحين أن المغرب استطاع أن يرسخ أسس التدبير الحكيم للتنوع الثقافي وخير دليل على ذلك إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد.

 

 

وخلال الجلسة الثانية قدم السادة الأساتذة عبد الحميد عقار وعبد السلام خلفي وحسن مكوار ومصطفى بن الشيخ مداخلات حول موضوع ' أية سياسة لتدبير التنوع اللغوي بالمغرب' على إثر اعتماد الأمازيغية لغةً رسمية إلى جانب اللغة العربيةّ في الدستور الجديد، وكذا بخصوص موقع اللغات الأخرى في المشهد اللغويّ بما فيها اللغات العالمية، وخاصة منها الفرنسية والإسبانية والإنجليزية. مبرزين دور اللغة في الفكر التعددي باعتبارها عنصرا محددا للعلاقات الاجتماعية و حاملا للهويات والثقافات.

واعتبروا أن الرهان الأساسي لصون اللغات يتجاوز التواصل أو التخاطب إلى الهوية نفسها وهي غاية التعليم الرئيسية بعد التكوين والمعرفة.

كما دعوا إلى العمل من أجل سياسة ثقافية ولسانية إدماجية بهدف خلق جيل جديد من التمازج اللساني والثقافي المؤسس على تبني لغتين وطنيتين ورسميتين تحيلان على نفس الهوية، والعمل في إطار استراتيجية لربط الخصوصية الجهوية بالثقافة الوطنية.

 

خديجة عزيز