تدبير اللغات وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في ضوء الدستور: مقترحات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

مدخل عام
يعتبر ترسيم الأمازيغية حدثا بارزا ذا أبعاد تاريخية بالنسبة لبلدنا بصفة عامة وللغة والثقافة الأمازيغيتين على وجه الخصوص. ذلك أن هذا الحدث يعدَ ثمرة  تتويج سيرورة تطور سياسي ساهم فيه  المؤسسات المواطنة والمجتمع المدني والطبقة السياسية والمثقفون والمبدعون، وهو تطور يستمدّ مشروعيته من كل من خطب الملك محمد السادس، خطاب العرش  وخطاب أجدير لسنة 2001، وخطاب 9 مارس 2011 وأخيرا وليس بآخر، الدستور الجديد للمملكة المغربية الذي يقرّ برسمية اللغة الأمازيغية بجانب اللغة العربية.

وانطلاقا من إقرار اللغة الأمازيغة لغة رسمية، يتعين على مؤسسات الدولة اتخاذ الإجراءات الضرورية لتمكين الأمازيغية من الاستفادة الفعلية من وضعيتها كلغة رسمية. واستنادا لهذا المقتضى المنصوص عليه في الدستور، فإنه يتعين على السلطة التنفيذية اتخاذ القرارات الضرورية لتقديم اقتراحات على البرلمان بغرفتيه بشأن القوانين التنظيمية الملائمة، وخاصّة منها القانون المتعلق بمأسسة الأمازيغية والقانون المتعلق بإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي سيتولى تصور شمولي لتدبير المشهد اللغوي والثقافي الوطني.

وفي إطار المجلس المذكور، فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سيلعب دورا مهما،  حيث سيعمل على ترسيخ المكاسب المحققة منذ إنشائه، كما أنه سيفتح أوراشا جديدة للتفكير والعمل من أجل الإسهام في تأهيل الأمازيغية لتمكينها من القيام بوظائفها تامّة في إطار السياق السياسي الجديد، وتشجيع التعابير الثقافية الأمازيغية المختلفة. ومن شأن ذلك أيضا أن يمكّن المؤسسات المعنية من إدراج الأمازيغية في أبعادها المختلفة في إطار مشروع سياسي ومجتمعي ديمقراطي حداثي واندماجي.

في هذا الإطار العام ومساهمة من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سأتقدّم أمامكم بإلقاء عرض موجز يتناول مقترحات بخصوص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتصوّر لإعمال الطابع الرسمي للأمازيغية في إطار الجهوية الموسّعة.

 

المرتكــزات الرئيسة لوضع القانــون التنظيمي الخــاصّ برسمية الأمازيغية

 

تماشيا مع المحددات المنصوص عليها في الدستور، يقترح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن يقوم إعداد النصوص التنظيمية الخاصّة بإعمال الطابع الرسمي للأمازيغية على جملة من  المرتكزات والمسوّغات الأساسية لبناء سياسة لغوية وثقافية وطنية متوازنة، قِوَامُها المساواةُ والإنصافُ والتكافؤ في مقاربة اللغتين العربية والأمازيغية، وحمايتهما والنهوض بهما.

 

في هذا الأفق يشدّد المعهد على ضرورة ترصيد المنجزات والمكتسبات المحققة في مجال النهوض بالأمازيغية خلال العشرية الأخيرة، وتتمثّل هذه المكاسب والمكتسبات ،على وجه الخصوص، في محصّلة المنجزات المحقّقة في الحقل الأكاديمي،  خاصة في مجالات تنمية وتأهيل اللغة والثقافة الأمازيغيتين، على مستوى البحث العلمي في ميادين العلوم الإنسانية خاصة اللسانيات، والتعابير الأدبية والفنية، والتربية، والترجمة، والتكنولوجيات الحديثة والأنطربولوجية. وبهذا الصدد، فقد شرع المعهد في معيرة الأمازيغية وتقعيدها، وتنميط الفبائية تيفناغ وإعداد قاموس عام للغة ومعاجم متخصصة وعمل على تنمية النشر والإبداع في مختلف هاته المجالات المعرفية، كما  أنتج  عددا من الحوامل والدعامات لتدريس الأمازيغية وذلك بتشارك مع وزارة التربية الوطنية. كما ساهم المعهد في إدماج الأمازيغية في المشهد الإعلامي.

 

واعتمادا على هذه المعطيات، فغنه يتعين ترصيد المكاسب والعمل على تجويدها في مختلف المجالات وترسيخها على مستوى السياسات العمومية. وغني عن البيان أن هذا لن يتأتّى في غياب إطار قانوني ملزم للمؤسسات. وإعداد القوانين من صميم مهام البرلمان بغرفتيه.

 

اعتبارا للطابع الرسمي للأمازيغية، فالحاجة ملحّة إلى مأسستها بشكل فعلي حتى يتمّ النهوض بها في سائر المجالات.  ومن القطاعات التي تعتبر راهنا ذات الأولوية، والتي ساهم المعهد مع شركائه المؤسّساتيين في إدماج الأمازيغية بها هي التعليم، والإعلام، والثقافة والحقوق اللغوية والثقافية، على وجه الخصوص. وللمعهد إسهامات اقتراحية في مجالات أخرى تهمّ الشأن المحلي والجهوي، والقضاء والصحة والتنمية البشرية والإدارة الترابية.

في إطار تنزيل مقتضيات الدستور المغربي وتفعيلا لنصوصه المتعلقة بالأمازيغية، وانطلاقا من كون اللغة الأمازيغية وثقافتها عنصرا مركزيا في هويتنا وحضارتنا المغربية، وتعزيزا للمنجزات المهمة التي تحققت في مجال النهوض باللغة الأمازيغية وثقافتها، فإننا  نقترح جملة من التدابير الإجرائية لتفعيل رسمية  الأمازيغية كما هو منصوص عليها في المادة الخامسة من الدستور،  من خلال البرنامج الحكومي والبرنامج التشريعي الحالي.

ومن مقترحات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إصدار قوانين تؤطر سائر القطاعات.

 

1.العمل  على إصدار قوانين في مجال التربية والتكوين 

  • إحداث جهاز إداري وقانوني ضمن هيكلة وزارة التربية الوطنية، من قبيل مديرية مركزية تختص بتدريس الأمازيغية لغة وثقافة  وإمدادها بالموارد البشرية والمالية واللوجستيكية الازمة؛

  • بلورة  مخطط استراتيجي يقوم على مسوغات و منهجية منهاج تدريس الأمازيغية  الرامي إلى تعميم تعليم وتعلم الأمازيغية أفقيا وعموديا  بتوسيعه تدريجيا حتى يشمل كافة المتمدرسين على جميع المستويات مع تجويد تدريس اللغة الأمازيغية وثقافتها بتنسيق بين الوزارة الوصية والمعهد ؛

  • تكوين وتوظيف ما يلزم من الموارد البشرية التربوية التي ستسند إليها مهمة تدريس الأمازيغية في مختلف أسلاك المنظومة الوطنية للتربية والتكوين؛ وذلك باستثمار الكفاءات التي تتخرّج  من مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعات؛

  • اعتماد نظام التكوين  الأساسي والمستمر يتم تطويره في إطار تشاركي بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة التربية الوطنية وخاصة في المراكز الجهوية للتكوين في مجال مهن التدريس؛

  • إحداث شُعب للغة والثقافة الأمازيغيتين في الجامعات والمعاهد العليا ومعاهد تكوين الأطر؛

  • إدراج مادة "الثقافة الجهوية" في برامج التربية والتكوين بمختلف جهات المملكة، على أساس أن تعكس هذه المادة تنوع المغرب وغناه الثقافي والحضاري؛

  • إدراج مادة " اللغة والثقافة الأمازيغيتين" في سلك تكوين أطر المؤسسات العمومية؛

  • إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في برامج الأندركوجية ومحو الأمية.

 

2. العمل على إصدار قوانين في مجال  إدماج الأمازيغية في الإعلام

  • التنصيص على إحداث جهاز إداري وقانوني ضمن هيكلة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، من قبيل مديرية مركزية تختص بالإعلام الأمازيغي، تتولى تدبير شؤون القناة الأمازيغية والإذاعة  الأمازيغية؛

  • التنصيص على التزام القنوات التلفزية العمومية باحترام مقتضيات دفاتر التحمّلات للقنوات التلفزية والإذاعية؛

  • التنصيص على ضرورة تجويد الإنتاج والبرامج التلفزية والإذاعية الناطقة بالأمازيغية؛

  • التنصيص على ضرورة توفير المناصب المالية لتكوين وتوظيف إعلاميين أكفاء، مساهمة في إنجاح مشروع إدماج الأمازيغية في المجال السمعي البصري الوطني ؛

  • التنصيص على توسيع مجال الأمازيغية بإدماجها في كافة القنوات التلفزية للقطب العمومي.  


 
3. العمل على إصدار قوانين في مجال الثقافة

  • التنصيص على ضرورة بلورة وتفعيل مخطط استراتيجي يروم إدماج المكوّن الثقافي الأمازيغي في السياسات العمومية  حتى يشكل رافعة من رافعات النهوض بالثقافة الأمازيغية ؛

  • التنصيص على إحداث جهاز إداري وقانوني ضمن هيكلة وزارة الثقافة، من قبيل مديرية مركزية خاصة بالثقافة الأمازيغية، تتولى تدبير شؤون البحث  الأثري وصيانة التراث الثقافي المادي وغير المادي؛

  • التنصيص على إحداث متحف وطني ومتاحف جهوية؛

  • التنصيص على  تجريم تهريب كنوز التراث المغربي الأصيل؛

  • التنصيص على دعم المبدعين والفاعلين والجمعيات وكافة العاملين في حقل الثقافة الأمازيغية؛

  • التنصيص على إدراج أصناف الُثقافة الأمازيغية من كتاب ومختلف الفنون ضمن الجوائز الوطنية.

 

4. العمل على إصدار قوانين في مجال الحياة المجتمعية

  • التنصيص على رد الاعتبار للشخصية الثقافية الأمازيغية حتى تكون موضع اعتزاز لكافة المغاربة؛

  • التنصيص على إلغاء قرار منع الأسماء الأمازيغية؛

  • التنصيص على إلغاء قرارات منع وحضر الجمعيات الأمازيغية؛

  • التنصيص على استخدام اللغة الأمازيغية في المرافق العمومية ووسائل التشيير: مقدمة المنشآت، العلامات الطرقية، أسماء الأماكن والأزقة والشوارع، اللافتات، الوثائق الرسمية وغيرها.

 

بناءا على ما ورد يعتبر المعهد أن المهمة المركزية للجهازين التنفيذي والتشريعي تكمن:

  • التنصيص على تفعيل المادة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، وذلك بإصدار القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية المُحدّد لشروط حمايتها وتأهيلها وعمليات إدماجها في المؤسسات العمومية بمقاربة ايجابية ومنفتحة ومستوعبة روح ومنطوق الدستور؛

  • التنصيص على  العمل على تمكين المعهد من الاستمرار في مهامه والقيام بدوره الفعّال، سواء من خلال المجلس الوطني للغات المنصوص عليه دستوريا، أو من خلال الأوراش التي ستباشر الحكومة تنفيذها في إطار السياسات العمومية؛

  • التنصيص على  العمل على تمكين المعهد من الاستمرار في مهامه والقيام بدوره الفعّال، سواء من خلال المجلس الوطني للغات المنصوص عليه دستوريا، أو من خلال الأوراش التي ستباشرها الحكومة في إطار السياسات العمومية؛

  • التنصيص على  ترصيد المكاسب والمنجزات التي عرفها مسلسل النهوض بالأمازيغية منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مجالات البحث والتعليم والإعلام والثقافة؛

 

- التنصيص على ضرورة صياغة مخطط استراتيجي

  • يحدّد الأهداف الرئيسية والفرعية لسيرورة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في التربية والتكوين والإعلام وفي سائر مجالات الحياة العامّة؛

  • يحدّد المدّة الزمنية المطلوبة لتنفيذ الأهداف الرئيسية والفرعية ؛

  • يحدّد السلطة أو الجهة المكلّفة بتنفيذ الأهداف الفرعية؛

  • يضع خططا ملحقة تحدّد التدابير والإجراءات الخاصّة بآليات التنفيذ، مثلا خطّة معيرة الأمازيغية، خطّة تعميم التدريس؛ خطّة تكوين أطر القطاعات العمومية؛  خطّة إدماج  الأمازيغية في المؤسسات العمومية؛ خطّة تطبيق التكنولوجيات الحديثة على الأمازيغية الخ.

  • يحدّد الميزانية المطلوبة لتنفيذ محاور المخطط الشامل والخطط الملحقة. 

 


 مقترحات بخصوص المجلس الوطني للغات وللثقافة المغربية

 

انطلاقا من مقتضيات الدستور الواردة في الفصل الخامس في مادّته السادسة يقترح المعهد رأيه بخصوص أهداف واختصاصات وهيكلة المجلس الوطني للغات وللثقافة المغربية، وموقع المؤسسات والمعاهد التي تتولّى شأن اللغتين الرسميتين  وغيرهما من اللغات الوطنية والأجنبية المنصوص عليها في الفصل الخامس من الدستور ، وذلك على النحو التالي :

  • للمجلس غاية إستراتيجية توجيهية. وتكمن مهمّته في صياغة سياسة لغوية وثقافية متجانسة ومعقلنة وفق مقتضيات الدستور،

  • ومن مهامّه كذلك إصدار توجيهات  عامّة تروم حماية وتطوير اللغات؛

  • يقوم المجلس بتتبع تنفيذ السياسة اللغوية والثقافية قطاعياً من خلال السياسات العمومية، على غرار المجالس الوطنية القائمة؛

  • يتمتّع المجلس بصلاحيات تقريرية في مجال اختصاصاته؛

  • يقوم بإدارة المجلس جهاز مكون من أعضاء ذوي الخبرة والكفاءة في مجال اختصاصاته؛

  • يعمل المجلس على تأهيل اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية حتى تقوما بوظائفهما تامة؛

  • يعمل المجلس كهيئة عليا تكون ممثلةً داخلها المؤسّسات والتنظيمات و الفعاليات المعنية باللغات والثقافة المغربية ؛

  • يصادق المجلس على المخططات الإستراتيجية للمؤسّسات القطاعية، وعلى ميزانياتها وعلى مخططات عملها وعلى برامج عملها؛

  • يقوم المجلس بدور هيئة تنسيق ومراقبة لضمان التكافؤ والتكامل والتفاعل بين المؤسسات  القطاعية؛

  • يتوفر المجلس على الآليات القانونية لتصديق القرارات الصادرة عن المؤسسات القطاعية والموافقة عليها؛

  • تمكين المجلس من صلاحيات التتبع لإعمال قراراته وتنفيذها على مستوى السياسات العمومية، وذلك لضمان فاعليته في التشريع والتنفيذ، من خلال مقتضيات تؤمّن تفاعله بشكل وثيق مع سائر القطاعات الوزارية  المعنية؛

  • تخويل المجلس صلاحية التتبّع والمساءلة عبر الآليات المؤسّساتية ذات الصلة؛

  • تمكين المجلس من الموارد البشرية والمالية واللوجستيكية الضرورية للقيام بمهامه؛

  • تتولّى المؤسسات  القطاعية  تدبير الجوانب التسييرية الإدارية والمالية في نطاق اختصاصاتها المحدّدة، تنفيذا منها لتوجّهات وقرارات المجلس؛

  • تمتيع المؤسسات الممثلة داخل المجلس بصفة الاستقلالية الإدارية والمالية؛

  • العمل على ترصيد وتجويد المكاسب التي حققها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مجالات  معيرة اللغة وتنميط حرف تيفناغ والبحث في التربية والثقافة، فضلا عن تمكينه من التمتع بصلاحيات وموارد ملائمة .

 


تفعيل القوانين التنظيمية الخاصة بالشأن اللغوي والثقافي في إطار الجهوية الموسعة

 

 في ما يخص نظام الجهوية يتعين تنزيل مقتضيات الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى ( الباب التاسع، الفصول 135-146 من الدستور).

تعتبر الجهوية الموسعة من أهم المشاريع المهيكلة للدولة وهي تشكل  جوابا صريحا حول مقاربة الدولة للعلاقة بين المركز والضاحية، وهو جواب معاكس للنظام المهيمن منذ الفترة الاستعمارية أي نظام مفرط في المركزية والتمركز.  من مزايا الجهوية أنها نمط من حكامة القرب التي تروم أساسا إشراك الجهات في اتخاذ القرار وتدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي وفق ضوابط وفي ظل الوحدة والسيادة الوطنية. وهذه استجابة كذلك لتطور ثقافة حقوق الإنسان واستيعابها، واحترام حق المشاركة في الحياة السياسية والثقافية للبلاد.

اعتبارا أن للأمازيغية حقوقا مشروعة وأنها من المواضيع الأساس التي أضحت من  مقومات السياسة الجديدة للدولة والتي وضع أسسها، ويرسخ لبنائها دستور المملكة على قواعد الديمقراطية، والشرعية، والتشاراكية، والتماسك الإجتماعي ، والتي  نعتبرها من الركائز المثلى لبناء دولة الحق والقانون، دولة المساواة والحرية وعدم التمييز وتكافؤ الفرص، اعتبارا لهذا كله فإن أجرأة نظام لحكامة القرب يوفر إطارا مجاليا لتفعيل مقتضيات الدستور وهو إطار الجهوية الموسعة كمنهاج لتحديث هياكل الدولة وإرساء ضوابط  أسس التنمية المندمجة. وبهذا فهي ليست مجرد إجراء ثقتي أو إداري .

 

وللجهوية أبعاد عدة:

  • منها البعد التاريخي الذي يدل على العمق التاريخي للجهات، و البعد الحقوقي الذي يرمز   إلى العدالة الانتقالية وتدبير الحقوق اللغوية والثقافية، والوضع المميز للأمازيغية في سياق الجهوية الموسعة؛ منها الحقوق الفردية والجماعية.

  • ومنها البعد سياسي الذي يتجلى  في الجوانب الدستورية والتشريعية لتدبير مشروع الجهوية،  و تصوّر الأحزاب والتنظيمات السياسية للجهوية؛

  • ومنها البعد الثقافي  والتربوي الحاضر على مستوى التربية والتعليم  والإعلام والشأن الثقافي عامة؛

  • والجهوية إطار مجالي لتدبير الجدلية بين التعدد والتنوع  اللغوي والثقافي  من جهة والوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي من جهة أخرى؛

  • وللجهة بعد اقتصادي  وهي يتمثل في التوازن والتكامل بين الجهات نفسها وبين الجهات والدولة المركزية.

 

ومن ثم يتعين تحديد موقع اللغة والثقافة الأمازيغيتين في مشروع الجهوية الموسّعة بعد وضع تصوّر واضح لمفهوم هذه الأخيرة :

  • تصور لتدبير التعدّدية اللغوية والثقافية، على نحو يوازن بين قطبي المعيارية والتعدّدية؛

  • تصور لتدبير  الحقوق اللغوية والثقافية وتعزيز الوحدة الوطنية؛

  • تصور لتدبير شؤون الجهات في مجال  الحقوق والامتيازات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ؛

  • تصور لتدبير الثقافات المحلية والتراث المادي واللامادي  للمناطق والجهات؛

  • و تصور للدفع بالسياسة الجهوية الموسعة في اتجاه ضمان الظروف الملائمة والشروط الموضوعية للحفاظ على الثقافة واللغة الأمازيغيتين وتطويرهما وتحديثهما. وفوق هذه الاعتبارات، يتعين على نظام الجهوية أن يعّزز الاتجاه الوحدوي في الجهوية الموسّعة مع احترام الخصوصيات المحلّية والجهوية، الثقافية واللغوية والبيئية والتراثية والممارسات الثقافية منها.


وقد تقدم المعهد بمقترحات للجنة الاستشارية للجهوية همّت كافة المجالات ومنها التعليم والإعلام والشأن الثقافي والحكامة الجهوية و العدل ولكن لم يتمّ  العمل بها في صياغة  تقرير ذات اللجنة.  ونعتقد أنه يتعين اليوم استدراك الأمر باستيعاب مقتضيات الدستور الجديد للمملكة بخصوص ترسيم الأمازيغية وحمايتها وتطويرها بجانب اللغة العربية.

 

خلاصة عامّة

 

لقد أتى منطوق الدستور الجديد للمملكة المغربية، في ديباجته، بما يؤكّد أن المغرب تبنى اختياراً لا رِجعَة فيه، اختيار بناء دولة ديموقراطية وحداثية، مرتكزاتها المشاركة والتعدّديّة والحكامة الجيّدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، قوامه الأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

وعلى وجه خاص، يرسم الفصل الخامس من الدستور معالم سياسة ثقافية ولغوية أساسُها الاعتراف بتنوّع اللغات الوطنية والنهوض بها، والانفتاح على اللغات الأجنبية، في نطاق وحدة وتماسك المجموعة الوطنية. وفي هذا الإطار، يعدّ ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية حدثاً تاريخياً يفتح آفاقاً غير مسبوقة لصالح صحوة اللغة والثقافة الأمازيغيتين والنهوض بهما ومأسستهما، في تكامل مع اللغة العربية. وما ذلك حقّاً إلا تتويج لمسار التطوّر السياسي والمجتمعي والثقافي للمغرب، منذ الخطاب الملكي بأجدير وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في  السابع عشر من أكتوبر 2001.

وفي هذا السياق، من المتعيّن أن يكون إعمال الوضع الجديد  للأمازيغية حافزاً للدفع بسيرورة إدماجها في التعليم وفي الإعلام وفي مختلف مناحي ومجالات الحياة العامة، وخاصة منها العدل والصحة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحكامة الترابية. ومن شأن المقاربة المعتمدة في هذا المضمار أن تتسم بالتشاركيّة والعقلنة، وتسترصد المكاسب المحقّقة من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والقطاعات الحكومية، والمجتمع العلمي والفكري، والمجتمع المدني. وتتمثل هذه المكاسب والمنجزات في كل من  تهيئة اللغة، وتقعيد الكتابة بحرف تيفناغ، والبحث  في بيداغوجيا الأمازيغية وديداكتيكها، والدراسات والأبحاث حول التعابير الثقافية والفنية، وإدماج الأمازيغية في منظومة التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال. وتمتد المكاسب أيضا لتشمل ما تم إنجازه في مجالات التعليم والإعلام والثقافة والشراكة المؤسسية والشراكة مع المجتمع المدني، وربط الثقافة بحقوق الإنسان. وهي مكاسب تتطلّب المزيد من الترسيخ والتعميق والتعميم والتفعيل.

ومما لا ريب فيه أن  دسترة الأمازيغية  بمثابة المؤشر الرئيس للانتقال الديمقراطي الثقافي لبلادنا، وذلك ما يضمنه كل من الدستور وتحكيم عاهل البلاد. وفي ذات المنحى، أكد جلالة الملك، في خطابه الافتتاحي للسنة التشريعية بالبرلمان، على ضرورة سن القوانين التنظيمية المتضمَّنة في الدستور، وخاصة منها المتعلقة بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، "بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة". وثمّة إرسالية واضحة لاستنفار الانخراط الوطني والتزام السلطتين التنفيذية والتشريعية إزاء هذا المشروع المهيكل للمغرب الحديث .

ويحدونا الإعتزاز، ونحن على مشارف سيرورة إعداد القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، لأن هذا الحدث سيسهم في تعميق المسلسل الديمقراطي في بلادنا. وبإمكان المغرب منذ الآن أن يفتخر بين الأمم بكونه نموذجا للتدبير العادل للتنوع الثقافي واللغوي.