نداء المشاركة: عدد 17

العدد السابع عشر من مجلة أسيناگ - Asinag

 نداء للمشاركة

ملف العدد :
الاقتصاد والثقافة في الأوساط الأمازيغية

لقد بصم الأمازيغ التاريخ الاقتصادي لشمال أفريقيا بشكل بيّن. وخير مثال على ذلك دار إيليغ، التي هيمنت على جزء من المحور الغربي للتجارة العابرة للصحراء، وتجار غدامس (ليبيا) الذين بسطوا سيطرتهم على المحور الشرقي.

 

أحدثت "الصدمة" الاستعمارية تغييرات جذرية على مستوى البنيات الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، فساهمت في تسريع انهيار التجارة العابرة للصحراء، والصناعة التقليدية وأنشطة اقتصادية "معاشية" أخرى. وسهلت في نفس الوقت نشأة اقتصاد رأسمالي بالمناطق الساحلية مرتبط بالأسواق الأوروبية. وقد أضعفت هذه السيرورة مجتمعات الرّحل، ودفعت بالمزارعين للهجرة إلى مدن الشمال، مع تغيير كبير في أنشطتهم الاقتصادية.

 

تناولت جملةٌ من الأعمال أنماط عيش الأمازيغ واقتصادهم. وأشار معظم الباحثين إلى الأهمية الاستراتيجية لتدبير الموارد الطبيعية، خاصة المياه والأراضي. فهي المحددة للاستقرار والعيش في مجموعات بشرية، وكذا في صعود منافس على السلطة السياسية والاقتصادية.

 

إن التحول الذي طرأ، طيلة القرن العشرين، على نظام ملكية الموارد وتنظيم الدولة لها، دون إغفال التجارب التشاركية و/أو خوصصة الأراضي بدول شمال أفريقيا، قد قلب الممارسات الجماعية للأمازيغ في تدبير الموارد الطبيعية.

 

يروم هذا الملف من مجلة أسيناگ تعميق التفكير حول هذه الأنشطة الاقتصادية في مختلف الأوساط الأمازيغية، في سبيل الكشف عن بعض المجالات التي لم تنل حظها من البحث. ويتعلق الأمر بالاهتمام بالأنشطة النقدية، من قبيل الدَّيْن، وتطور الأسعار والمداخيل، والإنتاج الصناعي والحِرفي. كما يمكن للأبحاث (التي ستدرج في الملف) تناول المبادلات التجارية، التي شملت الواردات والصادرات، وكذا تدبير الموارد وأنماط الاستهلاك. وأيضاً دراسة استراتيجيات الفاعلين الاقتصاديين، بما في ذلك الدول والدُّور التجارية والوسطاء والتجار الذين ليسوا من الضروري ناطقين بالأمازيغية. 

 

للمساهمة في معالجة القضايا المرتبطة بهذا الملف، نقترح ثلاثة محاور كبرى:

1. الديناميات الاقتصادية وتحدياتها داخل المجتمعات الأمازيغية خلال القرن 19

يصعب تناول الأنشطة الاقتصادية في فترة ما قبل استعمار شمال أفريقيا دون التطرق للتجارة العابرة للصحراء ومنافذها البحرية. وهو موضوع حظي بما يكفي من الأبحاث والدراسات، إنْ على مستوى الكمّ أو الكيف، وذلك بفضل مصادر أوروبية وأعمال باحثين مثل: إدوارد ويليام بوفيل (Edward William Bovill)، أو جان لوي مييج (Jean-Louis Miège).

وفيما يتعلق بالمحور الغربي لهذه التجارة، استثمر محمد المختار السوسي، وبول باسكون (Paul Pascon) المصادر المحلية مبرزيْن تنامي وتهاوي القوة السياسية والاقتصادية لدارٍ تجارية أمازيغية في الجنوب المغربي (دار إيليغ).

يتطلب تناول هذا المحور تعميق التفكير حول النسق المؤسساتي الذي مكّن من استدامة هذا المدار التجاري. ومهمٌّ أيضاً تناول علاقات المجموعات الأمازيغية (الريفيّون، والسوسيّون، وأيت غريس، والفيگيگيّون، والمزابيّون، والغدامسيّون، والتوارگ، والقبايْليّون...) مع السلطات السياسية، والطرق الصوفية (السنوسية، والتيجانية، وغيرها) التي لعبت دوراً في التجارة العابرة للصحراء، ومع التجار اليهود، وكذا مع وسطاء من وراء الصحراء ليسوا بالضرورة ناطقين بالأمازيغية.

يمكن كذلك إيلاء الأهمية لأنشطة اقتصادية أخرى من قبيل: الصناعة التقليدية، والصيد البحري، والفلاحة، وتربية الماشية، وقطاعات أخرى لم تنل حظها من الدراسة.

2. الاحتلال والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية

لقد دشّن التوغل الاستعماري في شمال إفريقيا عملية أدت، على المدى الطويل، إلى إفراغ المؤسسات الاقتصادية الأمازيغية من العديد من خصائصها، حيث أثار تساؤلات حول "القواعد الجماعية"، وهو ما أدى إلى مناخ غير آمنٍ للتجارة العابرة للصحراء، وكذا للمبادلات داخل الأسواق وفي المعارض الكبرى.

ثم عمدت الإدارة الاستعمارية إلى نشر هندسة لوجيستيكية ومجالية مكنتها من إعادة تنظيم المبادلات التجارية، وذلك بتعبئة شبكات الموانئ، والسكك الحديدية، والطرق بشكل يضمن تدفق البضائع الأوروبية، وإخضاع المناطق الداخلية في شمال أفريقيا لعلاقات التبعية السياسية والاقتصادية تجاه المراكز الحضرية التي طورتها في المناطق الساحلية. ومن المفارقات أن نمو بعض المدن الكبيرة قد سمح بظهور مجموعات حضرية ناطقة بالأمازيغية، مثل السوسيّين في الدار البيضاء، أو الجربيّين في تونس، الذين لا يزالون يؤدّون دوراً اقتصادياً رائداً.

لقد كان لتدخل الإدارة المركزية البيروقراطية، بعد الاستقلالات، أثر بالغ في تجريد التجمعات الأمازيغية من استقلالها السياسي والاقتصادي. وخضعت هذه الأخيرة، حسب كل بلد وظروفه، لسياسات تشاركية مفروضة من الأعلى، وسياسات الخوصصة والاستعانة بشركات المناولة. وهو ما وفّر موارد جديدة لبعض الأمازيغ لكي يحققوا نجاحات شخصية، أدى بعضها إلى تحولات في قيم التجمعات الأمازيغية.

3. الفاعلون الاقتصاديون والثقافة الأمازيغية

أكدت العديد من الأعمال على "زهد" بعض التجمعات الأمازيغية، وهو ما مكنها من إنشاء تجارات مُزهرة دفعت ببعض الباحثين مثل إريك أدولف ألبورت (Erich Adolph Alport) (1954، 1964) وجون واتربوري (John Waterbury) (1972) إلى مقارنتها بالطوائف البروتستانتية التي، تبعاً لما ذكره ماكس فيبر (Max Weber)، كان لها دور في تطوير الرأسمالية الحديثة. ومؤخراً، اقترح ليو-بول دانا (Léo-Paul Dana)، وروبرت أندرسون (Robert B. Anderson) (2007) فرضية ارتباط روح المقاولة لدى بعض التجمعات المحلية و"الأهلية" بمدركات النجاح لدى المجموعة الثقافية التي ينتمي إليها المقاول.

وسيكون من المهم أيضاً التفكير حول الدور الذي يقوم به الفاعلون الاقتصاديون الأمازيغ للدفاع عن هويتهم الثقافية، والتجمع الذي ينتمون إليه. ولن يقتصر الأمر على إنشاء وتنشيط نسيج جمعوي ديناميكي من شأنه أن يعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلداتهم الأصل، بل سيشمل دعم الحركات الثقافية التي تدافع عن الهوية الأمازيغية، ومساندة المبادرات السياسية التي تعارض التيارات التي تحتقر المجالات والهوية الأمازيغية.

وفي المجمل، يتعلق الأمر بدراسة آثار هذه التحولات السوسيو-اقتصادية على الإبداعات الثقافية والفنية الأمازيغية (مثلا: الموسيقى، والإنتاج الأدبي الأمازيغي، إلخ.) وعلى استعمال اللغة الأمازيغية وانتشارها وتناقلها. 

يُنتظر أن تستقبل المجلة مقترحات من تخصصات متعددة، وبمقاربات مختلفة، ممّا سيسمح بتبادل الآراء والأفكار بين المهتمين بمجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، بهدف المساهمة في معرفة أفضل للأنشطة الاقتصادية في الأوساط الأمازيغية.

 

- ترسل المساهمات في أجل أقصاه: 01-09-2020

- يتوصل أصحاب المساهمات المقبولة بإشعار يوم: 15-10-2020