كلمة السيد أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خلال الندوة الصحفية بمناسبة الاحتفاء بالذكرى التاسعة للخطاب الملكي السامي بأجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

أيها الحضور الكريم،إن الهدف المتوخى من عقد هذا اللقاء هو التواصل والتفاعل الإيجابيان بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمحيط الإعلامي، من باب اعتبار مثل هذه اللقاءات أداة للاتصال بالرأي العام، وكذا اعتباراً للدور الأساسي الذي يقوم به هذا القطاع الحيوي كسلطة رابعة. وستتركز هذه المداخلة على المحاور التالية: الحصيلة السياسية العامة، وضعية الأمازيغية في التعليم والإعلام ومجالات الحقوق اللغوية والثقافية، والتشارك، والبحث العلمي والإشعاع الثقافي.

إن الهدف المتوخى من عقد هذا اللقاء هو التواصل والتفاعل الإيجابيان بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمحيط الإعلامي، من باب اعتبار مثل هذه اللقاءات أداة للاتصال بالرأي العام، وكذا اعتباراً للدور الأساسي الذي يقوم به هذا القطاع الحيوي كسلطة رابعة. وستتركز هذه المداخلة على المحاور التالية: الحصيلة السياسية العامة، وضعية الأمازيغية في التعليم والإعلام ومجالات الحقوق اللغوية والثقافية، والتشارك،  والبحث العلمي  والإشعاع الثقافي.

 

حصيلة سياسة النهوض بالأمازيغية:

لقد تعدّدت أوجه تجلّيات المكتساب التي راكمتها الأمازيغية في العُشريّة الأخيرة من تاريخ بلادنا. فعلى المستوى السياسي، شكّل قرار الاعتراف بالأمازيغية مكتسباً مهماً، حيث بفضله شُرع في إدراج الأمازيغية في مختلف السياسات العمومية، ولاسيّما في مجالي الإعلام والتعليم. كما انتقل الحديث  عن جدوى إدماج الأمازيغية في المشروع المجتمعي الوطني إلى الحديث عن الطرق الإجرائية لتنفيذ الإرادة السياسية على مستوى السياسات العمومية؛ تلكم الإرادة التي عبّر عنها جلالة الملك محمد السادس،  سنة ، 2001 في كل من خطاب العرش وي خطاب أجدير. ولعل مشروع الجهوية الموسعة من المستجدات السياسية الواعدة في أفق التدبير الناجع لواقع التعدد اللغوي والثقافي وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجهات والفئات الاجتماعية، من منظور التوازن بين مبادئ وحدة الدولة وحقوق الجهات وواجباتها، وذلك في إطارالتضامن الوطني. وقد كان هذا التصوّر موضوع الورقة التي تقدّم بها المعهد أمام اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة.

وعلى المستوى النفسي- الاجتماعي، وهو بعد بالغ الأهمية، فقد تحقّق كذلك الشيء الكثير،  من منطلق اعتزاز المغاربة بشخصيتهم الأمازيغية-العربية، وإحساس ساكنة الجهات الهامشية باندماجها في النسيج الاجتماعي الوطني بُغية تقوية اللحمة الوطنية والتماسك الإجتماعي، والدفع ببلادنا نحو آفاق أرحب من التعدّدية الثقافية والديمقراطية والتنمية البشرية، وبالتالي الانخراط في بناء وصُنع مغربٍ متضامنٍ قويٍ ومتماسكٍ،  لمواجهة تحدّيات العولمة والتنمية المستدامة. 

 
مجال التربية و التعليم:

عموماً، يمكن التسليم بأن وضعية اللغة الأمازيغية داخل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، بعد الموسم الدراسي 2003-2004، تختلف قطعاً مع كانت عليه قبل هذا التاريخ، حيث كان الغيابُ الكلّي لتدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية. وقد حصل تقدم كبير في هذا المجال بين ما أنجز خلال السنوات الأولى والوضعية الحالية،  إذ تبلغ نسبة متعلمي الأمازيغية تقريبا 10%من التلاميذ الذين يدرسون بسلك التعليم الابتدائي؛ ويبلغ عدد الأساتذة حوالي 12.000 أستاذا؛ وعدد الأقسام حوالي 4.000 قسم. هذا فيما يتعلّق بالتعليم المدرسي، أما بخصوص التعليم العالي، فقد بلغ عدد المسجّلين في مسالك الدراسات الأمازيغية،  برسم السنة الجامعية الحالية،  أزيد من 1000 طالب، وذلك بكليات الآداب والعلوم الإنسانية لكل من جامعة ابن زهر بأكادير وجامعة محمّد بن عبد الله بفاس وجامعة محمد الأول بوجدة. ولكلّ هذه الاعتبارات، لا يمكننا إلاّ أن نُثمّن هذه التجربة المتمثّلة في ترسيخ تدريس اللغة والثقافة الأمازيغيتين داخل المدرسة والجامعة المغربيتين، وذلك بفضل تضافر جهود كل من الوزارة الوصية والمجلس الأعلى للتعليم والمعهد، من خلال الإسهام المتكامل في الدفع بهذه التجربة نحو ما هو أرقى وأفضل، بغاية إرساء أسس نظام تربوي يتوخّى الجودة والنجاعة.

ومع ذلك، فإننا نسجل، وبكل موضوعية، عدداً من الإكراهات والإختلالات على مستوى التعميم بشقّيْه الأفقي والعمودي، على اعتبار أن التعميم لم يشمل بعدُ جميع المؤسّسات التعليمية ولا جميع أسلاك المنظومة التربوية. وفي ما يتعلّق بالموارد البشرية، فقد سُجّل عجز كبير من حيث المؤطّرين والمفتّشين، مما يُبرز ضرورة توظيف ما يكفي من موارد بشرية للدفع بهذه التجربة نحو الأمثل. وفي هذا السياق، فالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغة يقوم بدوره في توفير الظروف الملائمة لذلك،  حيث يقوم بإعداد الحوامل البيداغوجية وعُدَد تكوين المكوّننين والمفتّشين والأساتذة، كما أنه  يقوم بالوساطة اللازمة تجاه المسؤولين على صعيد التعليم الابتدائي والجامعي. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق للمعهد أن شارك في لقاء، بمقرّ الوزارة،  حيث تم تدارس القضايا والإشكالات المطروحة بحضور السيّد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والسيّدة كاتبة الدولة للتعليم المدرسي وبعض المديرين المركزيين بذات الوزارة. وقد توصّلنا خلال هذا اللقاء إلى معاينة الأوضاع ومعالجة أهم جوانب واقع اللغة الأمازيغية داخل النسق التعليمي ببلادنا، حيث تمّ الاتفاق على أن تقوم الوزارة بالتدابير الكفيلة بحلّ المعضلات العالقة، ومنها التعميم وتكوين الأساتذة. وقد نتج عن هذا اللقاء إعمالُ اللجنة المشتركة بين المؤسّستين من أجل تتبع سيرورة الإدماج وما يرتهن بها من عمليات إجرائية، وخاصّة تلك المتعلقة بالتشريعات وبالموارد البشرية،  من خلال التأهيل المهني المهني لخريجي مسالك الدراسات الأمازيغية.

 

مجال التربية و التعليم:

 علاقة بسيرورة إدماج الأمازيغية في المشهد الإعلامي، شارك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بشكل فعّال  في أشغال لجنة الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، حيث تقدّم بوثيقة تناولت تقييم المعهد لأوضاع الأمازيغية في الإعلام الوطني. وقد أبرزنا من خلال هذا التقييم مواطن القوة ومكامن الضعف في أداء المؤسّسات ذات الصلة، كما أبرزنا مساهمة المعهد في إنضاج الظروف التي مكّنت الأمازيغية من ولوج وسائل الإعلام، خاصّة منها الإعلام السمعي-البصري، ابتداء من سنة 2004. وبهذا الصدد،  توقّفنا عند مرحلة تأسيس القناة الأمازيغية والشروع في اشتغالها،  مبرزين دور المعهد في أشغال اللّجنة المشتركة، حيث ساهم في وضع دفتر تحمّلات القناة وصياغته، فضلا عن مساهمته في وضع العقد-البرنامج  الذي بموجبه حصّلت القناة على الدعم المالي المناسب. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة مواكبة هذه القناة وتتبّع برامجها. وفي هذا الأفق، تمّ الاتفاق، مع القائمين على أمور القناة، على برمجة تكوين معمّق للطاقم الصحفي الذي يشتغل داخل هذا المولود الجديد، خاصّة في مجال اللغة الأمازيغية المُمعيَرة وخطّ تيفيناغ المنمّط، وحول المضامين الثقافية لمختلف برامج القناة. وفي أفق تقوية مكانة الأمازيغية في المشهد الإعلامي، فإن المعهد يقوم بالمساعي الضرورية تجاه  وزارة الاتصال والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في سبيل تكثيف البرامج وتجويد مضامينها، بدءً بتحيين دفاتر التحمّلات لكافّة القنوات وتفعيل مقتضياتها. وبهذا الصدد، يجدر بنا لفت الانتباه إلى ضرورة تفادي مخاطرة التقوقع الإعلامي الذي يُحدق بالأمازيغية نتيجة عزلتها في القناة الثامنة وتقليص حضورها بالقنوات الأخرى، اعتبارا للبعد الوطني للأمازيغية وللدور المركزي للإعلام العمومي في توحيد مكوّنات المنظومة الإجتماعية الوطنية. 
مجال الشراكة والتنمية البشرية:

للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إستراتيجية متكاملة في مجال التشارك مع المؤسسات الفاعلة في المحيط الداخلي والخارجي، وعيا منه بأهمية التفاعل الإيجابي مع محيطه في إطار مخططه الإستراتيجي الرامي إلى النهوض بالأمازيغية. وفي هذا الأفق، أبْرم المعهد عددا من اتفاقيات الشراكة مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة، نرجو أن تسفر على مزيد من المكتسبات لصالح الأمازيغية،  حين تفعيل اللجان الثنائية القائمة على تتبع تفعيل البرامج المشتركة.

كما أبرم المعهد، في إطار المساهمة في التنمية البشرية، اتفاقيات شراكة مع أزيد من 200 جمعية ثقافية عاملة في مجال النهوض بالثقافة الأمازيغية، مدعّما أكثر من 400 مشروع بقيمة 10 ملايين من الدراهم. وقد أسهم دعم وتأطير ومواكبة المعهد لأنشطة الجمعيات في تمكينها من تنظيم مخيمات تثقيفية وترفيهية لفائدة الطفولة، وتفعيل ورشات تعلّم الأمازيغية بحرف تيفيناغ،  وتنظيم مهرجانات فنية وأنشطة ثقافية إشعاعية هادفة. كما عقدت المؤسسة اتفاقيات شراكة مع عدد من الجامعات والمؤسسات الثقافية الوطنية والمراكز الثقافية التابعة لبعض الهيئات الدبلوماسية المعتمدة ببلادنا للتعريف بالثقافة الأمازيغية وتسطير برامج شراكة وتعاون للمساهمة في تنشيط الحياة الثقافية والعلمية.

وعلى المستوى الخارجي، فقد ساهم باحثو المعهد في تأطير وتنشيط عدد من التظاهرات الثقافية لفائدة الجالية المغربية المقيمة بكل من إسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وايطاليا، والولايات المتحدة، وبلدان أخرى. كما ساهموا في تبادل الخبرات بين الباحثين والمهتمّين بقضايا البحث والتدريس في علاقة بالأمازيغية. وبفضل هذه الشراكات وهذا التعاون، استطاع المعهد أن يُعرّف بالثقافة الأمازيغية وأن يُدعّم ويساند الإطارات الجمعوية التي تحمل همّ الثقافة الوطنية بشكل عامّ وهمّ الثقافة الأمازيغية على وجه خاصّ.

كما يساهم المعهد في التنمية البشرية بتحفيز الباحثين والمبدعين والفنّانين  والفاعلين في حقل الأمازيغية في إطار جائزة الثقافة الأمازيغية الشاملة لجميع الأصناف،  وتنظيمه دوراتٍ تكوينية في مجالات الصحافة والسينما والتربية، والفنون التشكيلية.
المجال الحقوقي:

وعلى المستوى الحقوقي، فقد شُرع في إيلاء الاهتمام بالجيل الثالث من حقوق الإنسان، ومن ضمنها الحقوق اللغوية والثقافية. وهذا مؤشّر قويّ يعكس اهتمام بلادنا بحقوق الإنسان في شموليتها. ويتمّ هذا حاليا بالتدرّج في إطار التشارك بين المعهد والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وبعض منظمات المجتمع المدني. وبالنظر إلى كل ما تحقّق في مجال النهوض بالأمازيغية في سائر المجالات، لا يمكننا إلا أنْ نعتبر ذلك دليلا على  المجهودات التي تُبذل في سبيل إحقاق كافة الحقوق، مما من  شأنه أن يجعل المغرب في مقدمة البلدان التي تعرف دينامية في مجال التعدد اللغوي والثقافي. وقد أسهم المعهد من خلال التقرير الموجّه لوزارة العدل في إبراز المنجزات الهامّة وكذا أوجه النقائص التي يتوجب تذليلها، في أفق تفعيل الخُطط الوطنية الرّامية إلى النهوض بثقافة حقوق الإنسان  بالعمل على تعزيزها وتقويتها. ولن يتحقّق هذا الأمر إلا بتضافر جهود كافة الفاعلين من مؤسّساتيين وجمعويين على حدّ سواء، كلّ من موقعه  وحسب صلاحياته وتصوّراته وأساليب عمله. كما يجب التشديد، في هذا المضمار، على تنامي الوعي الحداثي والملتزم للمجتمع بضرورة إيجاد الشروط الملائمة للنهوض بالحقوق الثقافية واللغوية بشكل يتوافق ومقتضيات القانون الدولي والممارسات الفضلى وطنيا ودوليا.

ولعلّ هذا المنظور سيسهم في تقوية الجبهة الداخلية عبر التعبئة المجتمعية حول مضامين الخطاب الملكي السامي بأجدير، الذي يشكل بحق السند السياسي والقانوني لسياسةٍ وطنيةٍ جديدةٍ تُؤسّس لمفهوم متقدّم للثقافة الوطنية المتعدّدة الروافد والمنفتحة على العالم المعاصر، والتي تكون الثقافة واللغة الأمازيغيتان من عناصرها الأساسية.

مجال البحث العلمي والإشعاع الثقافي

أما على المستوى الأكاديمي، فإنّ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يفرض ذاته تدرّجيّاً كمؤسسة مرجعية في مجالات العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، وخاصّة في الحقول المعرفية ذات الصلة باللغة والفنون والآداب والتربية والترجمة والتاريخ والبيئة والتراث المادّي والتكنلوجيات الحديثة. ومن المؤشّرات الدّالّة على الأداء المتميّز لهذه المؤسّسة وعلى فعّالية عملها، ما راكمه المعهد في هذا المجال، من حيث الكمّ والكيف، من خلال مجموع الأبحاث والتكوينات والندوات واللقاءات العلمية والمهرجانات  الثقافية والإشعاعية التي نظّمها. ومن المؤشّرات الأساسية لنجاعة المعهد ذلك العدد الهامّ من الإصدارات التي تمّ نشرها وتوزيعها.
التفاؤل واليقظة:

بالنظر لِمَا تحقق خلال فترة وجيزة من تاريخنا المعاصر، بفضل الإرادة السياسية المتوفّرة وبفضل انخراط جل الفاعلي ، لا يسعنا إلا أن نَستبشر خيراً بمستقبل الأمازيغية في بلادنا، شريطة التزام الجميع بالانخراط الفعلي في ورش النهوض بالأمازيغية كإحدى الأوراش الإستراتيجية للمغرب الجديد، تلك الأوراش  التي هي بمثابة رافعات الدمقرطة والتنمية والرُقيّ. ومع ذلك، فالتفاؤل  عينه  يحتّم علينا أن نتحلّى باليقظة، سيما وأن مشروع النهوض بالأمازيغية يتهدده خطران إثنان، خطرالتشنّج الهوياتي اللاتاريخاني وخطر الإقصاء الحصري اللاديموقراطي.  وهذا يعني أن مستقبل الأمازيغية مرتهن بتقاسم قيم الثقافة الحداثية.

وبالرجوع للمعهد، لا يغمرني أدنى شك في كون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بصفته مؤسّسة مواطنة، سيستمرّ في المثابرة من أجل القيام بالمهام المنوطة به، من خلال تقديم الاستشارة والقيام بالوساطة والمساهمة في تنفيذ السياسات العمومية، بتعاون مع القطاعات الحكومية ذات الصلة، وفي تشارك مع المنظمات المدنية. ولا بدّ هنا من الاعتراف بأنّ كل المنجزات المحصّلة، سواء كانت ذات طبيعة استراتيجية وسياسية أو ذات طبيعة إجرائية، لم تكن لتتأتّى لولا استرشاد المعهد بتوجيهات مجلس إدارته، ولولا اعتماده على كفاءات هيئتي البحث والإدارة وانخراطهما في ثقافة المؤسّسة.
                                                                                                                            أحمد بوكوس

                                                                                                            عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية