اللغة الأم ودورها في ترسيخ قيَم التضامن والتسامح زمن الجوائح شعار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم

الاحتفاء باللغات الأم لشعوب العالم على فوائد جمة؛ فرد الاعتبار للغة الأم، بما تضطلع به من أدوار ثقافية ومعرفية وسيكولوجية، هو في الحقيقة اعتراف واع بأهمية التعدد وقيمه في حياة الشعوب والأفراد. إضافة إلى كونه نافذة سنوية نطل من خلالها على دفء العلاقات الانسانية وعمقها الطبيعي. لأن اللغات الأم هي الوجه البارز لطبيعة التعدد البشري المتأصل، وهي حاضن للأحاسيس والقيم الإنسانية النبيلة، ًووعاءٌ لفكرها وتجاربها التي تراكمت عبر قرون طويلة.

 

 

أصبحت أدوار اللغات الأم في كل المجتمعات الإنسانية بارزة وعميقة في السياقات الحديثة والمعاصرة، وما فتئت تبرهن في كل لحظة وحين على مدى أهميتها لتحقيق العدالة والمساواة والتوعية بشروط التنمية المستدامة. فرغم الصعوبات التي تواجهها كثير من اللغات الأم في مختلف أصقاع العالم بسبب النتائج السلبية للهيمنة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، مما يهددها بالزوال والانقراض، إلا أن الحاجة إليها واللجوء لخدماتها، خصوصا في أزمنة الضيق والعسر، يكون أمرا باديا للعيان. وقد وقفنا جميعا على اللجوء الجماعي لأحضان اللغات الأم في سياق جائحة كورونا، بغية الاستفادة من قوتها التواصلية من خلال توظيفها في الحملات التوعوية لمجابهة فيروس كورونا ومضاعفاته الصحية الخطيرة. لقد أكدت اللغات الأم مرة أخرى، مدى قدرتها على الوصول إلى أعماق الإدراك الانساني والتأثير في السلوكيات الفردية والجماعية وتحقيق الأفضل.

 

وفي هذه السنة حلّت المناسبة والعالم يعيش أزمة صحية تتمثل في جائحة كورونا، التي أثرت بشكل مباشر في قطاع التعليم وقطاعات أخرى، إذ حرمت ما يناهز مليار ونصف مليار طالب من تلقي الدروس في الفصول الدراسية، الشيء الذي أثر سلبا على تعزيز فرص الانتفاع بالعلم ونشر الثقافات كما ورد في كلمة السيدة أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، التي اعتبرت أن التعليم متعدد اللغات وصون التنوع اللغوي بوصفه تراثا مشتركا، وتعزيز مكانة اللغة الأم يعد من مقومات تحقيق المساواة في مجال التعليم.

 

وفي نفس السياق يحتفل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بهذه المناسبة، وذلك في إطار الاهتمام الذي يوليه لتعزيز التنوع الثقافي واللغوي ببلادنا، وخاصة للأمازيغية، بوصفها اللغة الأم لقسم كبير من المغاربة. كما أن توقيع المملكة المغربية على المعاهدة الدولية حول التنوع اللغوي والثقافي لدليل راسخ على تبني سياسة تروم تقوية لغة الأم وإدماجها في السياسات العمومية والبرامج التعليمية في ضوء ما جاء به الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011. وتعد هذه المناسبة فرصة لوقفة تقييمية لما تحقق لصالح الأمازيغية على المستوى المؤسسي في جميع الميادين، وخصوصا في ظل جائحة كورونا، حيث حرص المعهد على تعزيز الجهود الوطنية المبذولة لترسیخ قيم التضامن والتكافل التي يتحلى بها المغاربة في مواجهة الكوارث والأزمات التي تحل بهم، وهذا ما تضمنه شعار هذه السنة  للاحتفال باليوم العالمي للغة الأم: "اللغة الأم ودورها في ترسيخ قيَم التضامن والتسامح زمن الجوائح".

 

 وليس هذا في الحقيقة إلا نزْرا يسيرا من أفضال اللغة الأم، لأنها في نهاية المطاف عصارة تجربة إنسانية غنية بإبداعها الخلاق وقيمها الفضلى التي تتجلى كلما تعقدت ظروف الحياة البشرية الحديثة. ويدعونا هذا الأمر جميعا إلى إيلاء اللغة الأم، ما تستحقه من اهتمام ورعاية. ويقع ذلك في صلب الممارسة المعرفية التي تروم التأسيس لثقافة العدالة والمساواة بين اللغات والثقافات، والتقليص من الفوارق المكرِّسة للهيمنة وتداعياتها السلبية على وضعية اللغات الأم. 

 

وبالنظر إلى الظروف الاستثنائية المرتبطة بتداعيات جائحة كوفيد 19، سيتم الاحتفال هذه السنة بهذه المناسبة عن طريق الوسائل الرقمية، يوم الجمعة 26 فبراير 2021، ابتداء من الساعة الثالثة زوالا، على الموقع الإلكتروني للمعهد: www.ircam.ma