وضعية الأمازيغية في المشهد الإعلامي الوطني

تقديــــم:

في سياق إعداد أرضية الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، لا يسعنا إلا أن نثمّن مبادرة المنسقّية العامة التي حرصت على إشراك مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في هذه العملية التشاورية الموسّعة، التي تتوخّى إخصاب النقاش حول الشأن الإعلامي ببلادنا وجعله يفضي إلى النتائج المتوخاة في أفق بناء وترسيخ الديمقراطية من خلال تجويد الإعلام الذي يعدّ إحدى رافعاتها الأساسية.

الهدف الاستراتيجي

 بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن مساهمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في هذا الحوار الوطني تقوم على خلاصة النقاشات والمقاربات التي ما فتئ يخصّ بها الإعلامَ الوطني في إطار دورات مجلس إدارته وأشغال هيئاته العلمية المختصة، وكذا انخراطه في عمليات الشراكة مع وزارة الاتصال وتفاعله مع القطاعات المعنية بالشأن الإعلامي الأمازيغي.

كما أنه لا بد من الإشارة إلى تصوّر المعهد لمهمة الإعلام الوطني، باعتباره من دعامات ووسائل النهوض بفكر التنوّع الثقافي واللغوي ببلادنا، والإسهام في بلورتها وترسيخها وتملّكها من قبل المواطنين المستهدفين بالنشاط الإعلامي بمختلف وسائله ومنابره. ومن ثمّ، فإننا نرى أن الإعلام الوطني لا يجب أن يكون أداة لتكريس الأحادية اللغوية أو الثقافية. وبالتالي، فإنه بهذه الخصلة المواطنة، يمكن لإعلامنا الوطني أن يكون رافعة للسياسة الوطنية في مجال النهوض بالبعد الأمازيغي في هويتنا الثقافية الموسومة بالوحدة في التعدّد والتنوّع. كما أنه بذلك سيكون بحقّ من الدعامات الأساسية للتنمية البشرية ولدمقرطة الدولة والمجتمع.

ويحدونا في هذا التصوّر الإيمانُ الراسخ بأن اللغة والثقافة الأمازيغيتين بإمكانهما أن تكونا من الأدوات التي من شأنها المساهمةُ الفعلية والفعّالة في بناء مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي تنشده أمتنا. ومن هذا المنظور، فإن المعهد الملكيّ، بحكم المهام المنوطة به بمقتضى الظهير الشريف المحدث والمنظّم له، مؤهّل لرصد إمكانياته المادية والعلمية والبشرية للمساهمة في هذا الورش الإعلامي الوطني. 

تشخيص الوضعية الحالية للأمازيغية في الإعلام الوطني

يتعيّن، قبل تقديم بعض ملامح الوضعية الراهنة للأمازيغية في الإعلام الوطني، العمومي والخصوصي، تثمين المكاسب التي تمخضت عنها السياسية الإعلامية الجديدة والتي تبدو تجلياتها على مستوى المشهد الإعلامي الوطني، وخاصة من خلال إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ووضع دفاتر تحملات قطاعية تنص على تدابير من شأنها تكريس التنوع اللغوي والثقافي، وإيلاء الأهمية للتراث الثقافي والحضاري ولتنمية وإشعاع الإبداع الوطني، واعتماد إعلام القرب وضمان التعبير الجهوي والمحلي، فضلا عن إخراج التلفزة الأمازيغيةللوجود، وغير ذلك من المكاسب التي سبق للمعهد أن عبّر عن تثمينه لإيجابياتها على مستواه الداخلي وفي محافل الشراكة مع الفرقاء المعنيين.

فما هي أبرز مظاهر وضعية الأمازيغيةفي الإعلام الوطني ؟

 

 

أولا: على مستوى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
على مستوى القناة الأولى، تم توحيد نشرة اللهجات بالأمازيغية، وتقديم برنامجين باللغة الأمازيغية، وبث بعض الفقرات الموسيقية والغناء الأمازيغيين (نصف ساعة أسبوعيا). كما يتم بث بعض الأشرطة السينمائية والأعمال المسرحية باللغة الأمازيغية(سواء من خلال أول بث أو إعادة البث) إلا أنها لم تصل إلى 12 عملا دراميا سنويا حسب ما اتفق عليه في دفتر تحملاتها بهذا الخصوص. ويلاحظ   غياب البرامج الحوارية حول الأمازيغية و بالأمازيغية.

- فعلى مستوى القناة المغربية: يتم إعادة بث بعض البرامج الأمازيغية المعروضة بالقناتين الأولى والثانية.

- وبالنسبة لقناة محمد السادس التلفزية للقرآن الكريم: هناك برنامج وحيد يندرج في المجال الديني.

 

ثانيا: على مستوى القناة الثانية
تبث القناة الثانية حاليا نشرة إخبارية بالأمازيغية منذ 24 دجنبر 2006، وأكثر من 5 برامج باللغة الأمازيغية، بما فيها برامج يومية من 13 دقيقة وبرامج أسبوعية من26 دقيقة (اسنفوتن، إيبردان، ستوديو ن تودرت، تمازيرت ئينو، أسايس) ، وبعض الفقرات تتعلق بروائع الفن الأمازيغي ونجومه، ضمن السهرات الفنية التي تحرص على بثها أسبوعيا. كما بثت بعض الأعمال الدرامية، السينمائية والمسرحية المد بلجة إلى اللغة الأمازيغية. وتقوم بدبلجة عدد من برامجها اليومية والأسبوعية إلى اللغة الأمازيغية، بما فيها البرامج الاقتصادية والاجتماعية والصحية والرياضية.

 

ثالثا: على مستوى الاذاعة
انطلاقا من 15 نونبر 2005 ثم تمديد البث إلى 16 ساعة يوميا بالنسبة للاذاعة الأمازيغية والعمل جاري حاليا من اجل أن تصل ساعات البث إلى 24 ساعة يوميا. كما تم توحيد الأخبار الأمازيغيةالمبثوثة خلال الفترة الصباحية. وقد تم الشروع انطلاقا من شهر رمضان الأخير في بث أعمال اداعية درامية.

 

رابعا: على مستوى الاداعات الخاصة.
لا بدّ من تسجيل غياب أية مبادرة من الإذاعات الخاصة تهدف إلى إدراج الأمازيغية لغة وثقافة ضمن شبكات برامجها باستثناء إذاعة casa fm و Radio plus .

 

خامسا: على مستوى :MEDI1SAT غياب أي برنامج يهتم بالأمازيغية في شبكة برامجها.
ولا بد من تسجيل كون جل البرامج المخصصة للأمازيغية يغلب عليها التناول الفلكلوري للأمازيغية والمعالجة السطحية وغياب تصور واضح، بالإضافة إلى توقيت البث غير المناسب، ناهيك عن عدم احترام دفاتر التحملات فيما يخص الإنتاج الدرامي، والاستمرار في تقديم السهرات الفنية وتنشيطها باللغة العربية في غياب الأمازيغية ولو جزئيا.

كما أنه على مستوى الإذاعة: يلاحظ الإكثار من بث الأغاني واستمرار بث برامج لمدة سنوات وغياب البرامج الخدماتية والتثقيفية الجادة مع تسجيل بعض الفوضى على مستوى المعجم.

تقييم شامل للوضعية

بعد سرد بعض مؤشّرات وضعية الأمازيغيةفي الإعلام الوطني، نخلص إلى الملاحظات العامة الآتية في هذا المضمار:

- إن الإعلام العمومي في نظرنا لم يصل بعد إلى تملّك التصوّر الوطني والمواطن لدوره في تكريس فكرة النهوض بالتنوّع اللغوي والثقافي، والحفاظ عليه كمصدر لدمقرطة المجتمع. ويتجلّى ذلك في الحيّز الضيق والمحدود للثقافة الأمازيغية في منابر الإعلام الوطني بمختلف منابره السمعية والبصرية والمكتوبة. ومن ثمّ فإن الدور المنوط به في تحسيس الجمهور بهذا المعطى يبقى دون المطلوب. ويمكن أن نعزي هذا النقص لدى وسائل الإعلام إلى ضعف التأهيل وقصور في المهنيّة وإلى ضعف تكوين العاملين في القطاع في هذا المجال الثقافي والحضاري، مما يؤدّي إلى إعمال مقاربة تتسم بالفلكلرة والسطحية وغياب العمق كلما تعلق الأمر بالبعد الأمازيغي في الثقافة والفنون الأمازيغية.

مقترحات عملية

مجددا لا يسعنا إلا تثمين ما تم إنجازه على مستوى مختلف وسائل الإعلام الوطنية، بالرغم مما تعانيه من مصاعب وإكراهات على مختلف الأصعدة، وخاصة منها الموارد البشرية المؤهّلة.

ولكي ندلي بدلو مؤسستنا في مساعي ومقترحات النهوض بالإعلام الأمازيغي، فإننا نعتبر أنه من اللازم إرساء المقترحات العملية على بعض المبادئ الأساسية ذات البعد الوطني، ومنها:

1. مبدأ تدبير الشأن الامازيغي في إطار مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي قائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية و الثقافية والحضارية؛

2. مبدأ ترسيخ الديمقراطية الحقيقية التي تروم تحقيق المساواة في الجانب الثقافي:

3. مبدأ جعل الأمازيغية ملكا لجميع المغاربة بدون استثناء؛

4. مبدأ اعتبار الأمازيغية مسؤولية وطنية؛

5. مبدأ رد الاعتبار للأمازيغية والاعتزاز بها كثرات وطني لكل المغاربة.

 

 

أما المقترحات العملية فهي كالتالي:

1. تأهيل الموارد البشرية وتأمين تكوين ملائم لمهامها الإعلامية، ويتعلق الأمر بالتكوين الأساس وبالتكوين المستمر في شتى مهن الإعلام؛ ومن التكوينات العامة المنشودة التكوين في مجال حقوق الإنسان عامة والحقوق اللغوية والثقافية خاصة، وكل التكوينات ذات الصلة بالتربية على الديمقراطية وبالحفاظ على التنوع اللغوي والثقافي وصيانته؛

2. وبهذا الصدد، بإمكان المعهد وضع خبرته الأكاديمية واستشارته وموارده البشرية، رهن إشارة القائمين على هذه التكوينات، على نحو تشاركي وتفاعلي؛

3. اعتماد وسائل الإعلام لسياسة القرب من خلال الاهتمام بالجهات وتغطية الشأن المحلّي والجهوي، واعتماد اللاتمركز بالنسبة لمنابر ووسائل الإعلام؛ والعناية بالإعلام الجهوي المكتوب والمسموع؛

4. العناية بالشأن الثقافي المحلّي والجهوي في إنتاج البرامج ومضامين المنابر الإعلامية؛

5. تجويد دور الإعلام في مستويات الإخبار والتثقيف والترفيه، واعتبار أن اللغة والثقافة الأمازيغيتين بإمكانهما أداء هذه المهام الثلاث؛

6. تشجيع ودعم الإنتاجات المتميّزة، وضمان التعبير الجهوي، وتشجيع إعلام القرب وإبراز قيمة التراث الحضاري والإبداع الوطني و المساهمة في إشعاعه وطنيا ودوليا؛

7. إشراك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عند وضع دفاتر تحملات جديدة بغية المساهمة برأيه بشأنها؛

8. التنصيص في دفاتر التحملات المقبلة على تنوع البرامج لكي تشمل برامج الأطفال، الترفيه ، الدراما، الإرشاد والتحسيس، البرامج الحوارية، السياسية وبرامج المسابقات.

9. إدماج البرامج الأمازيغية في شبكة البرامج الرمضانية.

 

وفي مجال الصحافة المكتوبة :

- دعم المقاولات الإعلامية التي تشتغل في الإعلام الأامازيغي؛

- التكوين في مجال تسيير المقاولات؛

- التكوين في تقنيات الكتابة، الصورة و الإخراج الفني؛

- توسيع شبكة توزيع الصحف والمجلات لضمان انتشارها في المناطق الناطقة بالأمازيغية؛

- إشراكها في الحوارات الوطنية و قانون الصحافة.

 

إسهامات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

طبقا للظهير المحدث والمنظم للمعهد، فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغيةقد سجل بعض الإسهامات في النهوض بالإعلام الأمازيغي، ومنها:

- أجرأة السياسة الوطنية في مجال النهوض بالأمازيغية في مجالات الإعلام، والتربية، والتكوين، والشأن المحلّي والجهوي، وذلك في تشارك مع القطاعات الوزارية والهيئات والمنظمات المعنية، ومن ضمنها وزارة الاتصال؛

- على مستوى البحث الأكاديمي في مجال الإعلام: إصداره لمعاجم لغوية عامة وأنحاء للأمازيغية ودراسات علمية، ومعجم خاص بالإعلام، وتنظيمه ندوات في مجال الإعلام؛

- تأطيره لعدّة دورات تكوينية لفائدة الصحافيين العاملين في الإعلام الأمازيعي المكتوب وفي الإعلام التلفزي.

 

خلاصـــة

 من خلال ما سبق، نعيد التأكيد على ارتياح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية للمشاركة في هذا الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، وكذا التشديد على تثميننا لهذه المبادرة الحميدة التي نتمنى أن تكون موصولة بانتظام. وبودّنا التأكيد أيضا على استعداد المعهد لمواصلة الحوار والتشاور والتشارك مع سائر الفرقاء في أفق تحقيق الهدف الاستراتيجي لجعل الإعلام الوطني رافعة أساسية في بناء وترسيخ الحياة الديمقراطية وتنشيطها، لما فيه الصالح العام.

 

العمادة