عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب: الأمازيغية تضم خصوصيات صوتية لا توجد في اللغات الأخرى

عميد المعهد أحمد بوكوس يقول إنهم يطمحون لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية على مستوى التعليم الابتدائي والانتقال إلى الثانوي ثم توسيع تعليم الأمازيغية ليشمل الجامعات المغربية كافة.

 

عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب أحمد بوكوس (الجزيرة)

 
مر 20 عاما على تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب، وهو مؤسسة أُحدثت بظهير (قانون) ملكي، مهمتها إبداء الرأي للملك حول التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية، والنهوض بها في جميع تعابيرها، والمشاركة في تنفيذ السياسات المتعلقة بإدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي.
في هذا الحوار مع الجزيرة نت، يتحدث عميد المعهد أحمد بوكوس عن المسار الذي قطعته الأمازيغية في المغرب منذ تأسيس المعهد عام 2001 والاعتراف بها دستوريا عام 2011 لغة رسمية للبلاد، إلى اليوم.
كما يتحدث عن الصعوبات التي تواجهها اللغة الأمازيغية في تدريسها، والعمل الذي يقوم به المعهد عبر مراكزه المتعددة من أجل جعل هذه اللغة معيارية، وتهيئتها لتنتقل من مستوى اللهجات إلى مستوى الكتابة التقليدية والرقمية، وتدوين ونشر التراث الأمازيغي الشفوي، والنهوض بالثقافة الأمازيغية بكافة :تعابيرها. وفيما يلي نص الحوار


بعد 20 سنة من تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ماذا تحقق بشكل عام في مجال النهوض بالثقافة الأمازيغية وإعادة الاعتبار لها؟
في نظري أهم ما تحقق هو الشعور بالاعتراف بالذات والهوية الأمازيغية، وأيضا ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور الجديد للمملكة سنة 2011 والذي أعتبره تتويجا للمنجزات التي تحققت منذ سنوات. أعتقد أن هذين الحدثين لهما رمزية ودلالة تفوق أي حدث آخر.
على المستوى القانوني، تم استصدار القوانين التنظيمية خاصة منها القانون المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين، وكذلك القانون المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. هذه قوانين أساسية تؤطر كل العمليات التي تهم إدماج الأمازيغية في السياسات العمومية.


في فبراير/شباط 2003 تمت المصادقة على اعتماد حرف تيفيناغ حرفا رسميا وحيدا لكتابة الأمازيغية بالمغرب، حينها برزت مخاوف من أن يعيق اعتماد هذا الحرف انتشار الثقافة واللغة الأمازيغيتين. بعد مرور سنوات من تطبيق هذا القرار، هل لمستم صعوبات في التدريس أو النشر؟ وكيف تنظر حاليا إلى تلك المخاوف؟
بالفعل كما ذكرت، في البداية عندما كان الحديث عن الخط الذي سنعتمده لكتابة الأمازيغية، وقع سجال ومناقشات أخذت في بعض الأحيان منحى أربك الملاحظين (المراقبين) الذين لديهم اهتمام بالأمازيغية، وكان تشكيك في جدوى اعتماد حرف تيفيناغ، وذهب البعض إلى القول بأن الكتابة بهذا الحرف فيها مس بالحرف العربي الذي كتب به القرآن وبالتراث العربي الإسلامي.
هذه المخاوف عرقلت، صراحة، العمل من أجل النهوض بالأمازيغية مدة معينة، لكن الدراسة التي قام بها المعهد بشأن المقارنة بين أنظمة حروف العربية واللاتينية وتيفيناغ، بيّنت أن هذا الأخير هو الأنسب لكتابة الأمازيغية لأسباب تقنية وموضوعية صرفة.
فالأمازيغية بلهجاتها المختلفة تضم عددا من الخصوصيات الصوتية التي لا توجد في اللغات الأخرى، وبالتالي في الكتابات الأخرى بما فيها الكتابة العربية واللاتينية.
وأعتقد أن المصادقة الملكية على تيفيناغ حرفا رسميا لكتابة الأمازيغية كانت حاسمة، ليتم بعد ذلك اعتماد هذا الحرف في التدريس وتعليم وتعلم اللغة الأمازيغية.
خلال السنوات الماضية، مررنا من رؤية تبخيسية تعتبر تيفيناغ مجرد "خربشات الرعاة على الصخور" إلى رؤية أخرى تمت فيها عصرنة وتحديث هذا الحرف.
مررنا من نظام الكتابة بشكل تقليدي إلى نظام آخر يستوعب التكنولوجيا الحديثة، وقد تمكنا في ظرف وجيز من إعداد ملمس الحاسوب بحروف تيفيناغ، واشتغل على هذه العملية باحثون وتقنيون في المعهد الملكي بالاستعانة ببعض الخبرات الخارجية.

 

مراسلة الجزيرة نت مع عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الجزيرة)


تدرّس اللغة الأمازيغية في المدارس والجامعات، ما مستوى حضورها في التدريس؟ وما العراقيل التي تقف دون تعميم تدريسها في المدارس؟
في الموسم الدراسي 2003-2004، قررت وزارة التربية الوطنية بتنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إدماج اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية في المستويات الابتدائية.
اتخذ هذا القرار في سياق صعب اتسم بقلة الموارد البشرية وغياب الحوامل الديداكتيكية (البيداغوجيا أو علم التدريس) لتدريس الأمازيغية، بالمقابل كان يوجد منهاج عام لتدريسها أعدته الوزارة عام 2000-2001 قبل إنشاء المعهد.
ورغم السياق الصعب، كما ذكرت، كان هناك حماس من طرف باحثي المعهد، وانخراط قوي من القائمين على وزارة التربية الوطنية، وكان التوقع السائد آنذاك أنه في غضون 10 سنوات سيتم تعميم تدريس الأمازيغية في الابتدائي وبعدها سنمر للإعدادي والثانوي والجامعي في آخر المطاف.
لكن مع كامل الأسف تغيّرت سياسة وزارة التربية الوطنية تجاه الأمازيغية، وكان للمسؤولين الجدد رؤية مختلفة مفادها أنه لا يمكن -حسب اعتقادهم- الاستمرار في تدريس الأمازيغية في غياب إطار قانوني، فأسند الأمر للمجلس الأعلى للتربية والتكوين لوضع الإطار القانوني المرجعي.
وضع المجلس الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم بالمغرب (2015-2030)، هذه الرؤية تعطي مساحة ضيقة للأمازيغية في الهندسة التربوية العامة، وتضمنت شروطا تحدّ من تعميم تدريس الأمازيغية.
ورغم أن الأمازيغية أصبحت لغة رسمية بموجب الدستور، فإنه قد حصل نوع من المماطلة في تدريسها، وفي المحصلة وقع بطء في سيرورة تعميم تدريسها في المدارس، مما يعطينا الوضعية الحالية وهي نصف مليون تلميذ يتعلمون الأمازيغية في الابتدائي، وهذا رقم هزيل، كما أن تدريس الأمازيغية في الابتدائي ليس عاما، وفي القطاع الخاص 2% من المدارس فقط تدرّسها. أما في الجامعات فأربع جامعات فقط فيها مسالك لتدريس الأمازيغية، أضف إلى هذا ضعف الموارد التربوية، فوزارة التربية الوطنية لم تخصص ما يكفي من المناصب المالية لتوظيف مدرسي اللغة الأمازيغية.
ما حدث أن الحكومة السابقة أصدرت قانونا مهما جدا بخصوص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سنة 2019، وفي نيتها تجاوز العراقيل التي تقف في وجه تعميم تدريس الأمازيغية، ومنح ما يكفي من الموارد المالية واللوجيستيكية.
 

بعض إصدارات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الجزيرة)

 


أطلقتم ورشا لجمع وتدوين التراث الشفوي الأمازيغي، أين وصل هذا المشروع؟
مسألة جمع التراث الشفوي الأمازيغي ودراسته وكذلك استنساخه ثم نشره وتوزيعه، مهمة أساسية للمعهد، يشرف عليها مركز الدراسات الأدبية.
وقد قام الباحثون في المعهد ببحوث ميدانية، كانوا يجمعون خلالها المادة من أفواه الرجال والنساء الأمازيغ، ثم يدرسونها ويدونونها، وضمن هذا التراث الحكايات والأمثال الشعبية والأشعار، ونتيجة لهذه الأبحاث لدينا اليوم أنطولوجيات الشعر والحكاية والأمثال، توظف في تدريس الأمازيغية.

 

إلى جانب تدوين التراث الشفوي الأمازيغي، ما المجالات التي اشتغل عليها المعهد وباحثوه؟
نشتغل في المعهد على موضوع شائك ومهم هو اللغة، وتقوم رؤيتنا على أننا نحتاج إلى لغة معيارية مكتوبة تستعمل في المدرسة والأبحاث، وفي يوم من الأيام تكون لغة التواصل والعمل في الإدارات.
ولتحقيق هذا الهدف علينا تهيئة هذه اللغة على جميع المستويات، وقد تمكنا من الوصول إلى نظام صرفي مورفولوجي مشترك للغة الأمازيغية، ولدينا فريق يشتغل على المصطلحات العلمية، واستطاع أن يعد عددا من المعاجم المتخصصة مثل معجم علوم التربية ومعجم علوم الصحة.
تشتغل فرقنا أيضا على ترجمة أمهات الآداب العالمية إلى اللغة الأمازيغية، فتمت ترجمة كتب مهمة من العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والفارسية، وأهمية هذه الترجمات أنها تغني اللغة الأمازيغية لذلك تسمى "الترجمة الإغنائية".
مجال آخر نشتغل عليه يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، وفي بداية حوارنا تكلمت عن توظيف التكنولوجيا الحديثة في مجال تنميط حرف تيفيناغ، لدينا كذلك أبحاث يقوم بها الباحثون في المعهد حول المعالجة الآلية للغة الأمازيغية، أي أننا ننتج أدوات تصلح في مجال تلقين اللغة الأمازيغية، مثلا أعددنا تطبيقات تعلم الأمازيغية للهواتف والألواح الذكية، وطورنا حوامل ديداكتيكية رقمية لتسهيل تعلم الأمازيغية عبر الانترنت.

 

هل هناك  تعاون أو عمل مشترك على مستوى معيرة اللغة أو وضع المصطلحات الأمازيغية مع دول من شمالي أفريقيا حيث يوجد الأمازيغ؟
هناك محاولات تنسيق وعلاقات بين الأشخاص، وتبادل الزيارات والخبرات والمشاركة في لقاءات علمية، ولدينا اتفاقيات مع جامعات جزائرية مثل جامعة تيزي وزو وجامعة بجاية وباتنة والجزائر.
وقد شارك باحثون من المعهد في لقاءات وندوات في الجزائر، كما أتى في وقت سابق باحثون جزائريون إلى المعهد للاستفادة من التداريب، والتعرف على التجربة المغربية خاصة وأن أمازيغ شمالي أفريقيا يعتبرون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قطبا مرجعيا في مجال الدراسات الأمازيغية.
التزمت الحكومة الحالية في برنامجها الحكومي بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وأحدثت صندوقا خاصا بميزانية تبلغ مليار درهم (110 ملايين دولار) بحلول عام 2025 بهدف "إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية".

 

ما المطلوب في نظركم لترجمة هذه الالتزامات على أرض الواقع خلال الخمس سنوات المقبلة؟
أعتقد أن الحكومة الحالية أخذت على عاتقها مسؤولية إدماج الشأن الأمازيغي كمحور أساسي في برنامج عملها على مستوى الانخراط في السياسات العمومية، وعلى مستوى مهم وهو التفعيل بالملموس لقانون 26-16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وذلك من خلال تخصيص صندوق من أجل تمويل سياسة إدماج الأمازيغية في المؤسسات بصفتها لغة رسمية.
الإرادة السياسية مهمة لتنزيل ما هو وارد في الفصل الخامس من الدستور والقانون التنظيمي، وهذا ما نلمسه في الحكومة الحالية.
ونلاحظ أن مجموعة من الوزارات تقدمت بمشاريع واستفادت من الصندوق، ومثال على ذلك ما قامت به وزارة العدل الأسبوع الماضي، إذ التقيت وزير العدل بصفتي عميدا للمعهد، واتفقنا على فتح مباراة لتوظيف مساعدين اجتماعيين متمكنين من اللغة الأمازيغية لتسهيل التواصل مع المغاربة الناطقين بالأمازيغية.
هذه الفكرة جاءت بعد أن سجلت المحاكم حالات صعبة ومؤلمة لعدد من المواطنين الذين لا يتكلمون العربية ولا يفهمونها، مما جعل مصالحهم وحقوقهم تضيع، لذلك كانت الحاجة ملحة لتوظيف أشخاص يستقبلون المواطنين الذين يأتون للمحكمة لقضاء غرض معين، ويستمعون لهم ويعطونهم المعلومات حول ملفاتهم باللغة التي يفهمونها.
وسيساعد المعهد في انتقاء المترشحين، وتنظيم المباراة، ومواكبة الناجحين على مستوى التكوين المستمر، وسيترجم مجموعة من النصوص القانونية إلى اللغة الأمازيغية.


على مدى عقدين من الزمن قطعت الثقافة الأمازيغية أشواطا مهمة، وبدا لافتا الحضور الأمازيغي الثقافي والفني والأدبي، ما الذي تطمحون لتحقيقه في السنوات القادمة؟
طموحنا أن تصبح دسترة الأمازيغية وترسيم اللغة والثقافة الأمازيغيتين واقعا ملموسا في الحياة اليومية للمواطنين المغاربة، وكذلك في أشغال المؤسسات المختلفة.
من جهة أخرى نطمح لتعميم تدريس الأمازيغية على مستوى التعليم الابتدائي والانتقال إلى الثانوي ثم توسيع الدراسات الأمازيغية لتشمل كافة الجامعات المغربية، لأن هذا الأمر موضوعيا ليس فيه أي .مساس بالوضع الاعتباري للغة العربية أو أي مساس بالديانة الإسلامية، فالأمازيغ معروف عليهم تمسكهم بالإسلام.

الجزيرة نت - سناء القويطي : الرباط، 10 فبراير 2022