قصور ومسالك جبال نفوسة

img_parution

صدر مؤخرا عن مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كتاب "مسالك وقصور جبال نفوسة"، وهو من تحقيق وتعريب الأستاذ محمد حمام، مدير المركز المذكور. وتكمن أهمية المؤلف، في كونه من الكتب النادرة المكتوبة بالأمازيغية والتي تتناول عادات وتقاليد وتاريخ مكون أمازيغي لا نعرف عنه إلا القليل، ويتعلق الأمر بسكان جبال نفوسة.

 

وعن أصل ولادة المشروع، يشير تقديم الكتاب إلى اللقاء الذي جمع الأستاذ الفرنسي أ. دو كلاسانتي مدير مدرسة وأستاذ كرسي اللغة العربية بقسطنطينة وترجمان عسكري، بالفقيه النفوسي ابراهيم أوسليمان أشماخي في منطقة المزاب الجزائرية سنة 1885 م. ولأن دوكلاسانتي كان آنئذ مهتما بدراسة اللغة الأمازيغية وبالخصوص لهجة جبل نفوسة التي كان يجمع كلماتها ومصطلحاتها ومعانيها، فقد طلب من الفقيه النفوسي أن يؤلف كتابا كاملا عن جبل نفوسة باللغة الأمازيغية.

 

ولا يستبعد الأستاذ محمد حمام أن يكون هذا الاهتمام تمهيدا من فرنسا لاحتلال بقية شمال افريقية. وقد نشر أول مرة سنة 1885 بالحرف العربي ثم أعيد نشره بالحرف اللاتيني سنة 1898. وقد قام دوكلاسانتي، وهو محقق النسختين، بنقله من اللغة الأمازيغية إلى اللغة الفرنسية.

بالرغم من أن الكتاب ألف تحت الطلب، فإن ذلك، واستنادا إلى تقديم الأستاذ محمد حمام، لا ينقص من قيمته العلمية "سواء بالنسبة للغة الأمازيغية أو بالنسبة للمعلومات التاريخية والجغرافية و الاقتصادية والسياسية التي يختزنها". وبالنسبة لمدير مركز الدراسات التاريخية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فإن الداعي إلى إعادة تحقيقه هو كونه أصبح مفقودا. "ومن هنا تأتي ضرورة نشره والتعريف به".

 

وأهمية الكتاب تكمن بالأساس في أنه مؤلف في الأدب الجغرافي والتاريخ، خصوصا وأن مثل هذه المؤلفات المكتوبة بالأمازيغية نادرة جدا. "فربما لأول مرة نتوفر على كتاب كامل باللغة الأمازيغية يتعلق بوصف جغرافي وتاريخي لمنطقة ذات دور تاريخي بارز مثل جبل نفوسة".

وبذلك، فالكتاب، وثيقة لغوية أمازيغية ستساهم لا محالة في إغناء الرصيد المعرفي حول اللغة الأمازيغية بالشمال الإفريقي كله.

ويشير الأستاذ حمام أن مؤلف الكتاب غير معروف. وكل المعلومات المتوفرة هي ما ذكره عنه دوكلاسانتي، بحيث "لا ندري سنه آنذاك ولا الغرض الذي من أجله جاء إلى هناك". ومع ذلك، فإن الباحث لا يستبعد أن يكون يعود مقامه بالمنطقة من أجل الدراسة واستكمال التكوين في المذهب الإباضي في الشمال الإفريقي كله. ويضيف الأستاذ حمام بأن عائلة الشماخي عائلة معروفة بالعلم، تاريخيا، في جبال نفوسة. و"بالنسبة لتكوينه العلمي، يتراءى من خلال كتابه أن له ثقافة فقهية إباضية مهمة. "وبقدر ما له ثقافة إباضية مهمة، بقدر ما له ثقافة عربية مهمة أيضا، بدليل أنه يشير إلى المؤلفات الإباضية الهامة التي ألفها أصحابها باللغة العربية الفصحى".

 

كما أنه ملم باللغة الأمازيغية، "ويتجلى هذا الإلمام خصوصا في وصفه للحياة الاجتماعية والاقتصادية للجبل، بحيث نجده يستعمل ألفاظا أمازيغية خالصة". وهو ما سيمكن الباحثين اللسانيين الذين يشتغلون في حقل الأمازيغية من الحصول على مادة خام أساسية. كما أن غنى الكتاب بالمعلومات الاقتصادية والجغرافية والسياسية والاجتماعية، يقدم للباحثين في كل هذه المجالات أرضية مناسبة للعمل وللتعرف عن قرب عن أوضاع أمازيغيي جبال نفوسة التي لا نعرف عنها إلا النزر القليل.