تدبير الموارد المحلية بالمغرب

img_parution

تكتسي دراسة موضوع تدبير الموارد المحلية أهمية كبيرة، في إبراز خصوصيات الإنسان المغربي في علاقته مع بيئته الجغرافية، عبر الامتداد التاريخي، لتحديد ما راكمه من خبرات وتجارب في تطويع المكونات والموائل الطبيعية وعقلنة استغلالها.

 

ويعد تثمين الموارد المحلية ذو أهمية بالغة في قدرتها العالية على هيكلة المجال، وإثراء النتاج الثقافي والرمزي للساكنة المحلية، الهشة إيكولوجيا والثرية ثقافيا.

 

*تأثر تدبير مختلف الموارد الاقتصادية والطبيعية بالمواجهة المستمرة مع المخزن ''الحركات المخزنية'' والتي كانت تلحق أضرارا كبيرة بالموارد الاقتصادية للساكنة المحلية. كما ساهمت الصراعات المريرة التي حدثت بين العديد من القبائل المغربية في الإخلال بالموارد المحلية للعديد من القبائل، وبالتالي تدهور منظوماتها الإنتاجية والتدبيرية للمؤسسات الاجتماعية التقليدية.

 

وساهم تدبير الموارد المحلية في تطوير مؤسسات التدبير الجماعي التي تمتد من مجالس القبيلة إلى المجالس الجماعية المحلية التقليدية. فقد لعبت هذه التنظيمات القبيلة دورا أساسيا في تدبير المجال والمجتمع. فإذا كانت القبيلة تخضع من الناحية السياسية لسلطة المخزن، فإن هذا الأخير لم يكن يمارس أي دور في تدبير شؤونها، بما فيها الموارد المحلية. كما تولت مؤسسة "اجماعة" التي تشكل أهم بنية داخل القبيلة جوانب متعددة من تدبير الموارد المحلية. بيد أن تدخل الإدارة الاستعمارية والدولة المغربية بعد الاستقلال، الذي ترتب عنه إضعاف مؤسسة القبيلة بشكل عام، أدى إلى تحول نظم التدبير من إطار جماعي إلى إطار يغلب عليه الطابع الفردي.

 

أثرت التحولات التي لحقت هياكل المجتمع المغربي، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرورا بمرحلة الاستعمار، ثم الحصول على الاستقلال، وصولا إلى تكريس هياكل الدولة الحديثة وتدخلها في مجالات تدبيرية داخل القبائل، في تغير نظم تدبير الموارد المحلية بالمغرب. وقد مست هذه التحولات مجالات متعددة ذات صلة بتدبير المراعي والمجال الغابوي والمخازن الجماعية والأسواق والموارد المائية والأراضي الفلاحية والثروة الحيوانية والمنتوجات الفلاحية...

 

ولابد من الإشارة إلى أن العديد من أوجه تدبير الموارد المحلية بشكل جماعي لا زالت مستمرة، رغم كل التحولات المذكورة، بالعديد من المجالات الأمازيغية المغربية، خاصة بالمجالات الواحية والجبلية. ولم يتم تجاوز الكثير من الأعراف المتوارثة، خاصة منها تلك التي تساهم في إيجاد حلول لقضايا متعددة ذات صلة بتدبير الموارد الطبيعية والاقتصادية لسكان المناطق المعنية.

 

كما تجدر الإشارة إلى وجود نوع من التقاطع، في تسيير شؤون القبائل وتدبير مواردها المحلية، بين ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي، بحيث يتفاعل السياسي مع طبيعة الاقتصاد المحلي، وكذا مع طبيعة العلاقات الاجتماعية للقبائل والفرق المكونة لها.

 

بناء على كل ما سبق، ولأهمية هذا الموضوع، عمل مركز الدراسات التاريخية والبيئية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على إنجاز كتاب جماعي حول موضوع "تدبير الموارد المحلية بالمغرب"، مع التركيز على أنماط التدبير الجماعي للموارد الاقتصادية والطبيعية، خاصة بالمجالات الأمازيغية المغربية. ويهدف هذا المؤلف كذلك إلى تتبع تحولات أنظمة التدبير الجماعي في المجالات المذكورة، من خلال الوقوف عند طبيعة أشكال التدبير الجماعي التي عرفتها، وتطورها خصوصا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومدى نجاعتها في تسيير وتدبير الحياة العامة بها في مستويات متعددة، وملامسة أثر تدخل الدولة وتحولات المجتمع في تطور أشكال التدبير الجماعي، وطبيعة البدائل المتاحة في ظل اختفاء أو تراجع دور العديد من المؤسسات التي كانت تتولى أمر تدبير الموارد المحلية.

 

وهكذا، سلطت المقالات المدرجة بين دفتي هذا الكتاب الأضواء على تدبير مختلف الموارد المحلية، من خلال تأصيلها التاريخي ورصد الديناميات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقت التحولات التاريخية التي عرفها المغرب، خلال مرحلة الاستعمار الذي أحدث عدة شروخ في البنيات التقليدية، وكذلك التحولات الكبرى التي عرفها المغرب المستقل في إطار إرساء الدولة الحديثة، وتأثير الهجرة الداخلية والدولية في تجاوز التدبير التقليدي للموارد المحلية.

 

وساهمت خلاصات هذه الدراسات في تسليط الأضواء على تراث وفكر مغربي أمازيغي عريق، وهوية متميزة في الممارسات الاجتماعية، وأبرزت تأثير تراجع الموارد في إضعاف الروابط الرمزية بين الانسان والأرض وتكسير العلاقة الأنطولوجية الموجودة بينهما. كما أكدت تغلغل موضوع تدبير الموارد المحلية في البنيات الثقافية والاجتماعية، مثل المجالس التدبيرية التقليدية والمواسم والأسواق والسكن والمراعي...

 

أملنا أن تكون هذه الدراسات قد وفقت في توثيق التراث اللامادي الغني، الذي تمثله الخبرات المتراكمة، وأن تكون قد ساهمت في فهم التحولات التي يعرفها الواقع الاجتماعي والاقتصادي المغربي، خاصة في العالم القروي، مع إمكانية استثمار جانب من هذه الخبرات التدبيرية في حل بعض المشاكل الراهنة، مثل ندرة الموارد المائية.